بقلم: أحمد ابو المعاطي - نقيب صحفيين الاسماعيلية - والقيادي الناصري
--------------------------------------------------------------------
لعله السؤال الأهم والأكثر خطورة الآن، فى ضوء قصة نزوح عشرات من الأسر المسيحية المقيمة فى مدينة العريش وما حولها على مدار الأسبوع الماضى، هؤلاء الذين فتحت لهم كنائس الإسماعيلية أبوابها، وهرع عشرات من الشباب لاستقبالهم، وتوفير سبل الرعاية الاجتماعية والنفسية لهم، قبل أن تنتبه الحكومة للأزمة، وتديرها بطريقة بدت أقرب ما تكون إلى أسلوب النعامة، التى استشعرت الخطر فدفنت رأسها فى رمال الخيبة.
هو السؤال الأهم والأخطر، لأن ما يتداوله النازحون من العريش- وإن انطوى على مبالغات عن الوضع الأمنى فى سيناء- فى حاجة ملحة لرد عملى، ليس فحسب من أجهزة الأمن، بل من الحكومة التى اكتفت باستضافة تلك الأسر فى بيوت الشباب، وتنظيم سلسلة من الزيارات لمسئولين محليين وبعض الوزراء، وقوافل طبية على مدار الساعة، على نحو بدا قريبا من ذلك المشهد الذى شهدته مصر قبل سنوات، أثناء الاجتياح الإسرائيلى لقطاع غزة، وما تبعه من نقل عشرات المصابين إلى المستشفيات فى منطقة القناة لتلقى العلاج.
مع مطلع الأسبوع الماضى، قال محافظ الإسماعيلية، اللواء ياسين طاهر، فى رده على أسئلة الصحفيين أثناء زيارة وزيرة التضامن الاجتماعى للنازحين فى بيت الشباب الدولى: إن الأسر المسيحية حضرت من العريش، "بناء على دعوة من الكنيسة الإنجيلية"، بعد الأحداث الإرهابية التى تمت فى شمال سيناء، لذا فإنهم "لا يعتبرون نازحين قسريا، إذ لم يتم تهجيرهم"، لكنهم جاءوا بناء على دعوة من الكنيسة، والمحافظة ترحب بهم طوال فترة إقامتهم، وبإمكانهم العودة فى أى وقت. ويبدو أن الكرم الشديد الذى أبدته محافظة الإسماعيلية فى استضافة تلك الأسر، والذى تراوح بين المساعدات الإغاثية من أغذية وملابس وخلافه، حتى فتح الكنيسة الأرثوذكسية حسابا بنكيا لتلقى التبرعات باسم الانبا ساروفيم، أسقف الإسماعيلية وتوابعها لرعاية النازحين؛ قد أغوى عشرات من الأسر التى قررت هى الأخرى مغادرة العريش، ليصل عددها- حسب آخر إحصاء لمجلس الوزراء- إلى نحو 144 أسرة!
ما الذى يجرى فى العريش إذن؟ ودفع محافظها اللواء حرحور لأن يمنح المسيحيين العاملين فى مختلف الوظائف الحكومية إجازة مدفوعة الأجر، ليتمكنوا من مغادرة المدينة على هذا النحو المريب الذى جرى، وتداولته عشرات من الصحف والمواقع الإخبارية فى العالم، على أنه "نزوح قسرى للأسر القبطية" على وقع تهديدات من عناصر ما يسمى "تنظيم الدولة" فى سيناء! وهل تدرك حكومة الدكتور شريف إسماعيل خطورة ترويج مثل تلك القصص فى الصحف الغربية، وما تداعياتها المتوقعة على القمة المرتقبة فى واشنطن بين الرئيسين السيسى وترامب؟
بمعنى آخر ومباشر: لماذا يتم تصدير مشكلة النازحين فى هذا التوقيت بالتحديد، ولمصلحة من يجرى الترويج لهيمنة عناصر ما يسمى "الدولة الإسلامية" على مدينتى العريش ورفح، فى الوقت الذى كانت قوات النخبة فى الجيش، تنفذ فيه سلسلة من العمليات النوعية فى جبل الحلال، لتطهيره من تحالف عناصر الإرهاب والتخابر وتجارة السلاح والمخدرات، بعد أكثر من ربع قرن، تحول خلالها إلى شوكة حقيقية فى ظهر السيادة المصرية، التى كبلتها اتفاقية كامب ديفيد وملاحقها العسكرية، على منطقة وسط سيناء؟
لا بديل اليوم أمام الحكومة سوى أن تعلن عن الحقائق كاملة، وأن تعمل بأقصى سرعة على عودة العشرات من الأسر التى نزحت من العريش وضواحيها على مدار الشهور الأخيرة، وهى عودة لا يجب أن تتم بليلٍ، بل فى قوافل فرح تؤكد للعالم من جديد، قوة الدولة وسيادتها على سيناء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق